الطبيعة والوجود
لقد كان للتّراث الفلسفيّ العقليّ اليونانيّ, ولاسيّما الأرسطيّ منه تأثيره الواسع, وامتداداته الضّاغطة على حركة العقل الإنسانيّ في مراحل مختلفة من تطوّر هذا العقل, وفي الطّليعة منه, العقل الإسلاميّ, في حقول عمله المختلفة؛ بدءاً بحركة العقل الفلسفيّ (البرهانيّ) بتعبير الجابري, وحركة العقل اللّغويّ (البيانيّ), فقد تشرّب هذا العقلُ الفكرَ الفلسفيّ اليونانيّ, وسعى, ما وسعه السّعي, إلى استعادته, وتمثّل أهمّ رؤاه ومقولاته, في سياقات مختلفة, وبما يلبّي حاجته, ويحقّق أهدافه وطموحاته المعرفيّة والسّياسيّة والأخلاقيّة؛ حيث بادر هذا العقل الأخير إلى رسم الحدود الفاصلة بين موجودات عالمه؛ المحسّة منها والمجرّدة, وفق المنهجيّة العقليّة الأرسطيّة في التّفكير والنّظر, ولم يكن مفهوم الطّبيعة والوجود, والنّظر في مكوّناتهما بمعزل عن ذلك؛ حيث تبع أرسطو, في تحديد مفهوم الطّبيعة, والنّظر في مكوّناتها, الكثيرُ من فلاسفة المسلمين؛ يتقدّمهم الكنديّ والفارابيّ وابن سينا, وابن رشد, والغزاليّ, ومن حذا حذوهم, وتمثّل طريقتهم في النّظر والاستدلال من مفكّري المسلمين وعلمائهم, في حقول الفكر والنّظر المختلفة, ولم يكن علماء اللّغة وصنّاع المعاجم الاصطلاحيّة بمعزل عن ذلك التّأثّر, مع بعض تفاوت في هذا التّأثّر, كما لاحظنا ذلك بشكل خاص عند ابن خلدون الذي وظّف- بعبقريّته- بعض المفاهيم الأرسطيّة في تحقيق أهدافه وطموحاته المعرفيّة الخاصّة في مجالات بحثه المختلفة لاسيّما في فلسفة التاريخ والعمران.