سد النهضة الإثيوبي.. والصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل
تعددت استخدامات الأنهار الدولية في العقود القليلة الماضية بشكل كبير، وأدي هذا التعدد في الاستخدامات وكثافة الأنشطة المرتبطة بها إلى مزيد من الندرة في المياه العذبة، وإلى صراعات ومنازعات حولها بشأن حقوق كل دولة من الدول النهرية في الإفادة من مياه النهر في الأغراض المختلفة. وطرح هذا على الباحثين في نطاق القانون الدولي سؤالا، مؤداه: إلى أي مدي، يمكن القول إن ثمة قواعد قانونية محددة يمكن الارتكان إليها لحل ما قد ينشأ من منازعات في هذا الصدد بطريقة سلمية، وبما يكفل تطبيق مبدأ حسن الجوار، ويحفظ الحقوق المشروعة لكل دولة من الدول النهرية في الإفادة من موارد النهر؟. كما أدي إلى ظهور قاعدة قانونية جديدة مؤداها أن كل دولة نهرية ينبغي عليها عند استعمالها للجزء من النهر المار عبر أراضيها ألا تتسبب في أضرار هامة لدولة أخري من دول المجري المائي الدولي. وقد آثار ما تقوم به إثيوبيا من إنشاء سد النهضة، وما يقترن به من مخاوف مشروعة لكل من مصر والسودان، في ضوء الدراسات التي تشير إلي ما سيلحق بهما من آثار سلبية، أهمها العجز المائي في حصة مصر، وانخفاض القدرة الإنتاجية من الكهرباء المولدة من السد العالي، جدلا واسعا في مصر حول الانتفاع غير العادل لنهر النيل حيث لا يقل أمن المياه أهمية عن الأمن القومي حيث أن التفسير المصري لمفهوم الأمن القومي لم يعد قائمًا على الجانب الاستراتيجي وحده بل امتد ليواكب ويتلاءم مع الأمن المائي، ولقد كانت المياه محلاً للصراعات نظرًا لأهميتها في مجال التجارة وتوزيع مناطق النفوذ، إلا أنه ظهر مؤخرًا على المسرح العالمي أن المياه العذبة هي محل الصراع القائم بعد أن تم حسم الصراع على المياه المالحة. لذا، حرصت الدبلوماسية المصرية خلال مفاوضات سد النهضة في ظل مآلات ثورة 25 يناير 2011 على استمر نهج تفاوضي مستندًا إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة والتي تنم عن رغبة في توسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف مع التعبير في نفس الوقت عن المخاوف بشأن التأثيرات السلبية للسد على الأمن المائي. مع الأخذ في الاعتبار أن اللحظة الراهنة تتطلب استعادة القدرة على المبادرة والتأثير في بيئة التفاوض بشكل أشمل من مجرد مواجهة أزمة سد النهضة أو التعامل مع إثيوبيا فقط، بل أيضا صياغة رسالة خاصة لقضية الأمن المائي ضمن رسالة أوسع للتوجهات الرئاسية للسياسة الخارجية المصرية تجاه إفريقيا. هذا، ويبدو أن ثمة حرص دولي وإقليمي على التواجد بقوة في منطقة شرق إفريقيا والبحيرات العظمي، والسعي نحو تعزيز العلاقات مع دول المنطقة من أجل تعظيم المصالح، وإيجاد موطئ قدم في تلك المنطقة، التي تتمتع بأهمية جيوستراتيجية كونها تتمتع بموقع جيوبوليتيكي، جعلها محط أنظار القوى الدولية والإقليمية. لذا، ينطلق التحليل في الدراسة من مقولة مفادها: "أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارهما من القوى الخارجية المؤثرة على النظام الإقليمي لحوض نهر النيل تلعبان دوراً محوريا في إعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي في المنطقة والصراع المائي في الحوض – سواء بشكل مباشر أم غير مباشر – تحقيقاً لمصالحهما الوطنية في تلك المنطقة". ونظراً لذلك، تعالج هذه الدراسة تحليل محددات الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل مع التطبيق على مشروع سد النهضة الذي يمثل أحدي حلقات أزمة السدود بين مصر وإثيوبيا، وخاصة في ظل توالي المفاوضات الثلاثية (المصرية – السودانية – الإثيوبية) فيما بعد ثورة 30 يونيو 2013 وتحديات إدارة هذا الملف الحيوي في ظل التفاعل الدولي والاقليمي في الأزمة وتأثيراتها علي الأمن القومي المصري والعربي عموما.