إخوان مصر بين الصعود والهبوط 2017 -2011
يعالج هذا الكتاب أطروحة الدكتوراه التي تقدمت بها الباحثة إلى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في نوفمبر 2017، ويدور موضوعها حول تحديد العوامل التي تجعل بعض الفاعلين السياسيين ينجحون في الاستفادة من التغير الحادث في هيكل الفرص السياسية في مراحل الحراك الثوري بينما لا ينجح البعض الأخر من الفاعلين في الاستفادة من هذا التغيير، وذلك بالاستعانة بمفهوم هيكل الفرص السياسية كأداة للتحليل، مع التطبيق على حالة جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي(حزب الحرية والعدالة) في مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2017. فقد شهد العقدان الماضيان تزايداً ملحوظاً في استخدام الباحثين مفهوم "الفرصة السياسية" في فهم حدود الاستمرارية والتغير في الفرص السياسية داخل النظم السياسية، سواء في الأوضاع العادية أو مراحل التحولات الثورية أو الصراعات الداخلية، ومدى قدرة القوى السياسية والحركات الاحتجاجية على توظيف فرص قائمة أو إيجاد فرص محتملة، بناء على حدوث تغير في هيكل النظم القائمة أو تغير بداخل القوى والحركات السياسية ذاتها أو تغير مضمون السياسات العامة داخل تلك النظم، وتؤثر هذه التطورات على مدى التغير في هيكل الفرص السياسية لهذه الجماعة أو تلك القوى، سواء بشكل جزئي أو كلى. وتزداد أهمية مدخل الفرص السياسية بشكل خاص في مراحل الحراك الثوري، وفقاً للخبرات العديدة التي شهدتها دول في بقع جغرافية مختلفة، سواء في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأخيراً في دول الانتفاضات العربية بعد تحولات 2011، في سياق الانتقال من الحكم التسلطي إلى الحكم الديمقراطي، أو المرحلة الوسيطة بين انهيار النظام القديم وبناء النظام الجديد، التي يتم فيها إعادة صياغة قواعد العملية السياسية، وتتولى فيها نخبة جديدة مقاليد السلطة، وتشهد إعادة توزيع موارد القوة السياسية والاقتصادية، وتنشأ فيها مصالح ومراكز قوى مستفيدة جديدة، وبما يعنى أن هذه المرحلة قد تشهد تغيراً في هيكل الفرص لمختلف الجماعات والقوى السياسية القائمة، سواء بالصعود أو الهبوط أو التأرجح. وقد مثلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر إحدى القوى السياسية التي وظفت هيكل الفرص السياسية المتاح لها بما وسع من نطاقه، في مرحلة ما بعد انتفاضة 25 يناير 2011، في أعقاب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث حازت على أكثر المقاعد في انتخابات مجلس الشعب 2011 - 2012، ووصل مرشح حزب الحرية والعدالة(الذراع السياسية لها) د.محمد مرسى إلى مقعد رئاسة الدولة في الانتخابات الرئاسية بعد فوزه على منافسه الفريق أحمد شفيق، على نحو أدى إلى انتقال الإخوان المسلمين من جماعة معارضة إلى نخبة حاكمة، الأمر الذي يشير إلى حدوث تغيير في هيكل الفرص السياسية الذي كان قائماً في النظام القديم لنكون إزاء هيكل جديد للفرص السياسية. غير أن هذا التغير في هيكل الفرص السياسية لدى جماعة الإخوان لم يدم أكثر من عام، ظهر خلاله سوء إدارتها في شئون السلطة السياسية وضعف تحالفاتها مع القوى المدنية وعدم إدراكها تحولات مزاج الرأي العام فيما سمى في الأدبيات "ذهنية الإنكار".. وقد قادت كل هذه العوامل السابقة إلى تغذية "البيئة القاعدية" المهيأة لاندلاع إنتفاضة 30 يونيو 2013، التي ساندتها المؤسسة العسكرية، مما أدى إلى عزل الرئيس د.محمد مرسى وسقوط حكم الإخوان على نحو قاد إلى مواجهات عنيفة بين مؤسسات الدولة وبعض قطاعات المجتمع من ناحية وجماعة الإخوان من ناحية أخرى، لدرجة أن مجلس الوزراء في مصر اعتبر جماعة الإخوان "جماعة إرهابية" في الداخل والخارج منذ 25 ديسمبر 2013، بعد اتهامها بتدبير تفجير مديرية أمن الدقهلية، الأمر الذي يشير إلى تراجع "الفرص السياسية" لدى هذه الجماعة في الوقت الراهن. وتنبع أهمية الدراسة من عدة اعتبارات، أولها أهمية مفهوم هيكل الفرص السياسية، الذي يعد واحداً من المداخل الرئيسية لفهم النظم السياسية والتحولات الرئيسية الحادثة فيها، وأوضاع الجماعات والتيارات والقوى السياسية القائمة بتلك النظم، كما أن اعتماد تحليل الدراسة على مفهوم حديث هو مفهوم "هيكل الفرص" مع محاولة تأصيله نظرياً، ثم تطبيقه في سياق مختلف عن ذلك الذي إرتبط به إبان نشأته (دراسة حالات التحول في الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية)، يعكس تطلع الدراسة للتأصيل النظري لأحد أبعاد عملية التحول الديمقراطي. ومن ثم، وجدت الدراسة أن هذا المفهوم يعد مناسباً للتطبيق على الحالة المصرية بعد الحراك الثوري الذي شهدته مصر بعد 25 يناير 2011. وثانيهما: قلة الدراسات السابقة سواء كانت رسائل جامعية أو كتبا أكاديمية أو دوريات علمية أو مؤتمرات بحثية، التي استخدمت المدخل(الفرص السياسية) والحالة(جماعة الإخوان المسلمين) عقب إنتفاضتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013. وبالتالي يتمثل إسهام الدراسة في بعدين أساسيين: البعد التحليلي: حيث سعت الدراسة إلى تحديد عوامل نجاح جماعة الإخوان في الاستفادة من التغير في هيكل الفرص السياسية في مرحة الحراك الثوري بعد 25 يناير من ناحية، ومن ناحية أخرى، حاولت الدراسة البحث في طبيعة العوامل التي أدت إلى تراجع فرص جماعة الإخوان وهي في الحكم، الأمر الذي عجل بإنهاء فترة وجودها بالسلطة والتي تتحدد بعام واحد من منتصف عام 2012 - وحتى منتصف عام 2013 البعد المقارن: حيث قامت الدراسة بإجراء مقارنة للتغيير في هيكل الفرص السياسية لذات الفاعل السياسي وهو(جماعة الإخوان المسلمين) في مصر خلال فترتين مغايرتين وهنا تنبع أهمية المقارنة من كونها تبرز العوامل التي تجعل أحد الفاعلين السياسيين ينجح في استثمار التغير في هيكل الفرص في مرحلة معينة ثم يعجز أو يفشل هو ذاته في موقف مماثل في فترة لاحقة، فيما يعرف بدوره الصعود والهبوط للفاعل نفسه وإن تغيرت العوامل. وثالثهما: إن خبرة هذه المرحلة التاريخية والتفاعلات التي أدت إلى ازدياد الفرصة السياسية لجماعة الإخوان ثم تراجعها، طرحت تأثيراتها على النظام السياسي المصري الراهن. ورابعهما: استخلاص الدروس المستفادة حول تحديد أولويات مراحل الانتقال الديمقراطي عقب الحراك الثوري، بالنسبة للفاعلين السياسيين، سواء كانوا أحزاباً سياسية أو حركات احتجاجية أو منظمات مدنية، حتى يتسنى لهم إدراك ما يتطلب فعله، وتنطلق الدراسه من افتراضين رئيسين هما: الفرض الأول: إن هناك علاقة إيجابية بين مدى إدراك الفاعل السياسي لسمات مرحلة الحراك الثوري وقدرته على الاستفادة من التغير في هيكل الفرص السياسية في تلك المرحلة. الفرض الثاني: إن هناك علاقة إيجابية بين قدرة نخبة الفاعل السياسي على توظيف القدرات التنظيمية بما يؤدى إلى الاستفادة من التغير في هيكل الفرص السياسية في مرحلة الحراك الثوري. وانطلاقاً من هذين الفرضين، فإن السؤال الرئيسي الذي تسعى الدراسة للإجابة عليه هو: ما العوامل التي تؤثر على قدرة الفاعلين السياسيين على الاستفادة من التغير في هيكل الفرص السياسية في مرحلة الحراك الثوري (انهيار نظام وبداية تشكيل نظام جديد بعد الثورات)؟ وينبثق من هذا التساؤل الرئيسي عدة تساؤلات فرعية، وتتمثل في الآتي: - ما الاتجاهات الرئيسية في تعريف مفهوم "هيكل الفرص السياسية"؟ وما أنماط وحالات التغير في ذلك الهيكل، وتحديداً في مراحل الحراك الثوري؟ - ما المحددات الحاكمة لقدرة الفاعلين السياسيين على الاستفادة من التغير في هيكل الفرص في مراحل الحراك الثوري؟ وتحديداً ما السمات التي تحوزها النخبة من الفاعلين السياسيين بما يؤثر على قدراتها في فهم ظروف المرحلة ومحاولة الاستفادة قدر الإمكان من الفرص المتاحة لها؟ - إلى أي مدى أدركت نخبة جماعة الإخوان وحزبها الفرصة المتاحة لها في أعقاب انتفاضة يناير 2011؟ وما هي ممارستها للاستفادة من هذه الفرصة؟ - إلى أي مدى وظفت نخبة جماعة الإخوان وحزبها القدرات التنظيمية لها لتوسيع حجم الفرصة السياسية؟ - لماذا فشلت نخبة جماعة الإخوان - وهي في الحكم- في إدراك بدء تراجع الفرصة السياسية؟ وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول يسبقها مقدمة ويعقبها خاتمة. يتناول الفصل الأول التأصيل النظري للدراسة في ثلاثة أقسام، القسم الأول يلقي الضوء على تعريف مفهوم هيكل الفرص السياسية، في حين يركز القسم الثاني على تعريف الفرصة الثورية ومحددتها وأبعادها، ويعالج القسم الثالث محددات استفادة الفاعلين السياسيين من الفرصة الثورية. أما الفصل الثاني المعنون محددات صعود "الفرصة الثورية" للإخوان خلال الفترة(فبراير 2011 - يونيو 2012) فينقسم إلى ثلاثة أقسام، يتناول القسم الأول مدى قدرة الإخوان المسلمين على التكيف مع مرحلة السيولة السياسية، بينما يلقي القسم الثاني الضوء على القدرات السياسية والتنظيمية للإخوان. في حين يستعرض القسم الثالث قدرة الإخوان على بناء التحالفات السياسية. ويتضمن الفصل الثالث المعنون محددات تراجع "الفرصة الثورية" للإخوان المسلمين (يوليو 2012- يونيو 2013) ثلاثة أقسام، يستعرض القسم الأول حدود استجابة نخبة الإخوان للتغير في توجهات الرأي العام المصري، ويتناول القسم الثاني حدود قدرة الإخوان على تحقيق التوافق السياسي، فيما يتطرق القسم الثالث إلى التعبئة الجماهيرية من موقع السلطة. فيما يتناول الفصل الرابع المعنون "مستقبل الفرص السياسية لجماعة الإخوان"، قسمين، القسم الأول ويتناول محاولات جماعة الإخوان لاستعادة الفرصة السياسية بعد انتفاضة 30 يونيو 2013، فيما يتناول القسم الثاني مستقبل جماعة الإخوان في الحياة السياسية المصرية. وأخيرا تتضمن خاتمة الكتاب أهم الاستخلاصات والنتائج.