الرهائن السياسيون في الأندلس
اتخاذُ الرهائنِ ظاهرةٌ قديمةٌ ليستْ في الأندلسِ فحسبْ، ولكنْ في دولٍ وحضاراتٍ أخرى قديمةٍ كما تؤكدها الدلائلُ التاريخية ([1])، فإنَّ ظاهرةَ أخذِ الرهائنِ نظامٌ فريدٌ أَمْلتهُ الظروفُ السياسيةَ حيثُ تَمَيَّزَ هذاَ النظامُ بوسائلهِ المتعددةِ، ومقاصدهِ وغاياتهِ التي تتلخصُ في تثبيتِ النظامِ وفرضِ الولاءِ، والدافعُ إلى اتخاذ الرهائنِ ليس فقطْ فرضُ السيطرةِ السياسيةِ، ولكنْ أيضا فرضُ الزعامةِ الروحيةِ مِنْ خلالِ حملِ المناهضينَ والخارجينَ والثوارِ على الانضواءِ تحت رايةِ الحكومةِ القائمةِ. ([1]) فقد أخذ نبي الله يوسف عليه السلام أخاه شمعون رهينة عنده قال تعالى (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) القران الكريم: سورة يوسف الآية (59)؛ وأن بخت نصر عندما أراد تخريب بيت المقدس صالحه ملكها وكان من آل داود وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بخت نصر رهائن ورجع، فلما بلغ طبرية بلغه أن بني إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لأجل أنه صالحه فضرب رقاب من معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة؛ وقتل المقاتلة وسبي الذرية، وأن أمر إتخاذ الرهائن كان معلوماً عند العرب قبل الإسلام وهناك العديد من الحوادث التي تؤكد ذلك،فمنها في حرب الفجار الثانية التي كانت بين قريش ومعها كنانة ضد قيس واصطلحوا على أن يعدوا القتلى فأي الفريقين فضل له قتلى أخذ ديتهم من الفريق الآخر، فتعادوا القتلى فوجدوا قريشا وبني كنانة قد أفضلوا على قيس عشرين رجلاً فرهن حرب بن أمية يومئذ ابنه أبا سفيان في ديات القوم حتى يؤديها ورهن غيره من الرؤساء وأنصرف الناس بعضهم عن بعض. لمزيد من التفاصيل أنظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق أبو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت 1987م، ج1، الصفحات 200 -472، 535،536،537؛ القرطبي: تفسير القرطبي الجامع لأحكام القران والمبين لما تضمنه من السنة وأي الفرقان، ط2، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة 1964م، ج9، ص221؛ ابن كثير: البداية والنهاية، مكتبة الصفا، القاهرة 2003م، مج1،ج2، ص 33؛ الشوكاني: الجامع بين فن الرواية والدراية من علم التفسير، ط 4، مراجعة يوسف الغوش، دار المعرفة، بيروت 2007م، ص307.