السياسة الخارجية وقضايا الانفصال
تزايدت في السنوات الأخيرة الدعوات والمطالب الإنفصالية في مناطق مختلفة من العالم، وتزامن معها تأسيس تنظيمات وحركات تطالب بالإستقلال والانفصال ويرجع ذلك إلى أسباب مختلفة غالبا ماتحمل شعارات الوحدة العرقية، الدينية والتاريخية بينما تكون دوافعها الرئيسية سياسية واقتصادية، فالانفصال هو حدث يمثل نقطة تحول ليس فقط للدولة الجديدة الناشئة أو للدولة القديمة التي تم حلها، ولكن أيضًا للدول المجاورة والمجموعات العرقية السياسية القريبة وكذلك القوى الكبري)[1](. وبطبيعة الحال؛ يطلق مصطلح الانفصال على نشاط سياسي وشعبي تتبناه جماعة ما، تطالب بالانفصال عن دولتها الأم أو الاستقلال عن دولة انضمت إليها نتيجة ظروف تاريخية محددة ويرتبط الانفصال بمبدأ حق تقرير المصير وأحيانًا قد يحدث تناقض بين القانون الدستوري لدولة ما مع تقرير المصير للشعوب المنصوص عليه في القانون الدولي([2]) الذي ينادي به ميثاق الأمم المتحدة والميثاق العالمي لحقوق الإنسان([3]). حيث تعرف الحركات الانفصالية بأنها حركات سياسية أو مسلحة تطالب بالانفصال والاستقلال عن دولة أو كيان ما من أجل تكوين كيان أو دولة على أسس قومية أو دينية أو عرقية وتظهر نتيجة ظروف تاريخية أو اقتصادية أو نتيجة الإحساس بالتهميش والإهمال أو الاضطهاد من قومية معينة تسيطر عليها تلك الدولة الأم([4]). وتتعدد نماذج الدول التي تثير سياساتها الخارجية هذه الأبعاد والإشكاليات، والتي قد تتناقض توجهاتها ومواقفها وسلوكها إزاء القضايا الانفصالية وفقًا لمصالحها مثل روسيا، إيران، إسرائيل.. وغيرها. إلا أن الحالة التركيةتمثل أحد التجسيدات الأساسية لهذه القضايا وإشكالياتها والتي خلقت حالة من الجدل والاستقطاب لتباين مواقف سياساتها الخارجية حيث تعتبر تركيا من أبرز الفاعلين الإقليمين في المنطقة وبذلك فإن لسياساتها الخارجية تجاه الإقليم ودوله ومن بينها الدول العربية تأثيرًا على هذه الدول وعلى مجمل الأوضاع في الإقليم. وقد تتجلي أهمية المحددات الخارجية والسياسات الخارجية للدول في قضايا الانفصال والاعتراف نحوها، كما يلاحظ أن الأطراف الخارجية الفاعلة في هذا الصدد قد حظيت بتقدير بالغ حيال الدور الذي يمكن أن تلعبه سواء في تشجيع المساعي الانفصالية أو مناهضتها ([5])، فقد تبين للباحثة أن التعقيدات والإشكاليات المثارة بخصوص سياسات مناهضة ودعم الإنفصال تركز فقط علي الجانب القانوني والأبعاد القانونية لمسألة الاعتراف في تأسيس الدول الجديدة، لكن هناك محدودية لافتة في الأدبيات علي الرغم من أهمية الموضوع فإن محاولات تحليله بشكل منهجي منظم لإشتقاق محددات وآليات سياسات مناهضة الانفصال ومدي نجاحها هي محاولات محدودة بما يبرر أهمية الموضوع نظريًا وعمليًا. [1]- David S. Siroky, "Secession and Survival: Nations, States and Violent Conflict", PHD dissertation in the Department of Political Science in the Graduate School of Duke University, 2009, p 4. [2] - IEVA VEZBERGAITE," Self-Determination of the Kurdish People: Undermining the Unity of the «Turkish Nation»? ", Institute of Federalism, IFF Working Paper Online No 9, July 2015. [3] -ميثاق الأمم المتحدة، البند الأول، المادة الثانية، متاح على الرابط التالي: http://www.un.org/en/sections/un-charter/chapter-i/indexhtm [4] -لمزيد من التفاصيل حول أسباب ودوافع الحركات الإنفصالية انظر: - زهير عطوف، "الحركات الانفصالية حول العالم..........كردستان العراق نموذجاً “، مركز إدراك للدراسات والاستشارات، 2018. - باسم راشد، " دوافع ومآلات النزعة الانفصالية في أوروبا"، السياسة الدولية، العدد211، يناير 2018، المجلد 53. - عبد الله المدني، " الحركات الانفصالية والعنف في آسيا “، السياسة الدولية، العدد211، يناير 2018، المجلد 53. - جهاد عمر الخطيب، أنماط النزعات الانفصالية في إفريقيا “، السياسة الدولية، العدد211، يناير 2018، المجلد 53. [5]-James Ker-Lindsay, " Secession and Recognition in Foreign Policy “Oxford Research Encyclopedia of Politics, May 2017, Available on: https://www.researchgate.net/publication/317570448