الايمان بالرسل و الرسالات
فهذا الكتاب: «الرسل والرسالات» هو خاتمة سلسلة أركان الإيمان ، وقد تحدّثت فيها عن الخالق العظيم، والرازق الكريم ، الفعّال لما يريد ، الكريم المنّان ، الواسع العليم ، الذي رأيتُ من خلال مسيرتي في الدنيا وعالمِ التاريخ عظمته في الحياةِ ، وفي قيام الدولِ وزوالِها ، وانتشارِ الحضاراتِ واندثارِها ، وعزِّ الحكوماتِ وإذلالها ، وقصص الناس ، وفي مخلوقاته العجيبة الغريبة ، وفي هذا الكون الفسيح ، وحركة التاريخ ، كم مِنْ ملوكٍ وأمراء وقادة وحكام ، وعلماء وفقهاء وفلاسفة وعوام الناس لا يحصيهم إلا الذي خلقهم ، قد ماتوا وأصبحوا في الأمس الغابر ، ودخلوا في عالم البرزخ العظيم. علمتني الحياةُ أنَّ المؤمنَ لا يقنع بأمر يسكنُ إليه دون الله ، ولا يفرحُ بما حصل له دون الله ، ولا ييأس على ما فاته سوى الله ، ولا يستغني إلا بالله ، ولا يفتقر إلا إلى الله ، ولا يفرح إلاّ بموافقته لمرضاة الله ، ولا يخافُ إلا من سقوطه من نظر الله ، فكلّه بالله ، وكلّه لله ، وكلّه مع الله ، وسيرُه دائماً إلى الله ، يحبّ اللهَ ، ويحبّه الله ، ويرضى بالله ، ويرضى عنه الله. إنّ بين العبدِ وبين ربِّه مسافة لا تُقْطع إلا بقطع العلائق ، ورفض العوائق ، وكيف يصل إلى الله مَنْ لا يسيرُ وهو في قبضة العوائق أسير؟!. قال تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ *﴾ [الذاريات :50]. كلُّ شيء تخافه فإنّكَ تفرُّ منه وتهربُ إلا الواحد الأحد ، فإن من خافه يفر منه إليه ، ويهرب من سخطه إلى رضوانه ، ومن وعيده إلى وعده ، فلا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه ، الفرارُ إلى الله تعالى هو الانطراحُ ببابه ، والانكسارُ لجنابه ، هو اللجوءُ إليه تعالى ، والدخولُ في الإيمان والطاعة ، والهروبُ من المعصية والخطيئة.