بناء الإنسان بين النظر والعمل
يقارن الإنسان بين الناس ويتأمل أحوالهم، فيرى بأن المبادئ التي ينادي بها العربي والمسلم مبادئ سامية لا تدانيها غيرها، ولكن تأتي المفارقة المذهلة عندما نشاهد صاحب المبادئ العظيمة لا يوازي غيره في مضمار الحياة، بل يقف خلف الصفوف وهو متهم بالقصور في كل شيء: فهو متهم بالثرثرة وحب الكلام منذ أقدم العصور، ولذلك يقال بأن العرب لم ينبغوا في شيء إلا في الكلام ، فهم لم يكونوا على مستوى اليونان أو الفرس أو الهند أو قدماء المصريين، ولم يخلفوا حضارة مثل أية أمة من هذه الأمم أو غيرها، وكل ما توارثته أجيالهم هو الشعر الذي يسمى (ديوان العرب). وربما كان في هذا شيء من الحق، ولكن تأتي بعد ذلك المعجزة العظيمة، معجزة الإسلام وحضارته التي فاقت كل الحضارات، وهي معجزة من عدة نواح منها كونها لا تدانيها أية حضارة في سمو مبادئها، وكونها بنيت في أرض قاحلة ليس فيها مثال تتخذه مثلا أعلى لها أو موروثا من أية جهة أخرى. وعند مقارنة الحضارات والمبادئ التي قامت عليها نجد أن أحق الناس بالصدارة هم القوم الذين حملوا أسمى المبادئ، وهم حملة رسالة التوحيد . ولكن الأمر في العالم المعاصر ليس على ما يقتضيه المنطق المذكور، بل نجد أن الأمم وأفرادها ومجتمعاتها في بقاع العالم تتقدم وتسير بخطى واثقة إلى الأمام بينما نحن بسير بتؤدة شديدة، بل نتعثر كثيرا وقد نسقط في الطريق تارة على الأشواك وتارة أخرى على غيرها. ومن حولنا أعداء لا يرحمون ولا يترددون، وبأسنا بيننا شديد في خلافات سطحية تافهة تستهلك الطاقات وتفرق الجموع والجماعات ولا تنتهي إلى حل، بل تتجدد بتجدد الأجيال. ونلتفت حولنا فنرى الإنسان هو الإنسان، هو الأساس في كل بناء وفي كل عمل؛ ولذلك فبناؤه أولا بشكل سليم هو الذي يضمن الأساس القوي لكل بناء آخر ويضمن الانطلاقة القوية في كل عمل، والمسيرة الجادة المثابرة في كل درب طويل نحو العزة والحضارة الرشيدة الشامخة. والتفتنا حولنا لنرى الإنسان العربي الناشئ يسير بين خطين من الصعب أن يلتقيا: فالخط الأول:هو خط الحضارة الحديثة المادية الصرفة ودعاتها العلمانيين الذين لا يعترفون بشيء إلا المادة والعالم المحسوس، ويجادلون بأن التقدم لا يكون في أي مجال آخر إلا في هذا المجال، وهم بذلك لا يقرون بمبدإ ميتافيزيقي ولا بدين سماوي. والخط الثاني: هو نقيض الأول ويوازيه إلى ما لا نهاية، وهو خط الناس المتدينين والباحثين عن كل سلوك للإنسان مهما دق ومهما كان من الضآلة، فيقولون له هذا حرام وهذا حلال على خلاف في التوجهات والاهتمامات. ولا يولون مواضيع الحياة الأخرى وظروفها الاهتمام الكافي والمتفاعل مع العصر. Descriptor(s): SOCIAL CHANGE | CULTURAL SOCIOLOGY | INTELLECTUAL LIFE | CULTURAL LIFE | SOCIAL THOUGHT | MORAL VALUES | SOCIAL LIFE