طرائف ونوادر العلماء والمتعالمين
يتضمن أربعمائة واثنين وثمانين طرفة ونادرة استغرقت التاريخ الإسلامي ابتداء من عصر النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو عصر التشريع، وانتهاء بعصرنا هذا، وتفاوتت بين الطرف والنوادر التي تدل على قوة ذكاء صاحبها، وأخرى تدل على غاية الغباء وسوء الفهم والتقدير، وتنوعت بين القصيرة والطويلة، وشملت معظم جوانب العمل العلمي. وفيما يلي فقرة من المقدمة: "ثالثاً: اشتعلت الحرب العالمية الطاحنة على أرض الشام، تلك الملحمة الكبرى التي لم تترك مجالاً للضحك أو الفرح، حتى مات القلب مع الأبدان الكثيرة التي أزهقت على هذه الأرض. فقد مات الكثير من طلابي وأصدقائي وأحبابي في حرب طائفية قذرة تولت كبرها إيران وكلابها في المنطقة. فرجعت إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدت أننا لم نخسر أكثر مما خسر، فقد خسر زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بسبب الحصار الجائر المميت، وخسر نصيره أبا طالب شر خسارة حينما مات على الكفر، وخسر ابنه إبراهيم، وأُبْعِدَ عن ابنتيه بسبب الهجرة، وخسر في المعارك عمه حمزة وعدداً من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين. كل ذلك في سبيل مبادئه ودينه الذي فضله النبي صلى الله عليه وسلم على كل شيء في حياته؛ ففضله على ماله وأهله وولده وأقاربه وأحبابه وراحة باله. لكن هذا لم يغير شيئاً فيما سنذكره في الفصل الأول من مزاحه صلى الله عليه وسلم ومزاجه وأخلاقه. فالجهاد هو جزء من الحياة الاجتماعية الإسلامية لا ينفك عنها أبداً، وهو كالطعام والشراب والزواج والنوم. فلا تمنع الحياة البشرية من الجهاد في سبيل الله، ولا يمنع الجهاد من الحياة البشرية الطبيعية، ومنها المزاح وملاطفة الناس. فأعادتني الجراح والآلام إلى هذا الكتاب من جديد، ووجدت أن المرحلة التي نعيشها تقتضي أكثر من أي وقت مضى لطبعه وإصداره وإخراجه، ووجدت في تذكير الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته ما يسلو قلبي وقلوب الناس وما يثبت فؤادنا. رابعاً: رأيت كثيراً من صور الجهل والتعالم التي ذكرتها في الكتاب تتكرر أمام ناظري بصورة مقززة على أرض الواقع، وخصوصاً في الأزمة الأخيرة، مما دفعني بقوة لإخراجه ونشره، لعل الله يوفق بعض أصحاب الفهم السقيم من هؤلاء أن يرى نفسه في أحد قصص الكتاب وفوائده فيتعظ ويتعلم، فيكون لي أجر هدايته وصلاحه. ولترتفع معنويات الناس ويقوى أملهم بالله ثم بأنفسهم أن يتغيروا، فما نعيشه اليوم من الجهل المركب قد مرت بمثله الأمة الإسلامية من قبل، أو ربما بأشد منه، ثم قدر الله لها وأعانها على الخروج منه عندما أرى الناسُ اللهَ من أنفسهم خيراً". وهذا مقتطف من الخاتمة: "آخر ما أختم به ما قاله عَبَّاد بْن عَبَّادٍ الْخَوَّاص الشَّامِيّ أَبِو عُتْبَة: ” قَالَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ ^: ’ رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي ‘. تُحِبُّونَ أَنْ تَقُولُوا فَيُحْتَمَلَ لَكُمْ، وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ مِثْلُ الَّذِي قُلْتُمْ غَضِبْتُمْ.. تَجِدُونَ عَلَى النَّاسِ فِيمَا تُنْكِرُونَ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَتَأْتُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فَلا تُحِبُّونَ أَنْ يُوجَدَ عَلَيْكُمْ.. اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ وَرَأْيَ أَهْلِ زَمَانِكُمْ، وَتَثَبَّتُوا قَبْلَ أَنْ تَكَلَّمُوا، وَتَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ تَعْمَلُوا، فَإِنَّهُ يَأْتِي زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَراً وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفاً. فَكَمْ مِنْ مُتَقَرِّبٍ إِلَى اللهِ بِمَا يُبَاعِدُهُ، وَمُتَحَبِّبٍ إِلَيْهِ بِمَا يُغْضِبُهُ عَلَيْهِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8]. فَعَلَيْكُمْ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ حَتَّى يَبْرُزَ لَكُمْ وَاضِحُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ الدَّاخِلَ فِيمَا لا يَعْلَمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ آثِمٌ، وَمَنْ نَظَرَ للهِ نَظَرَ اللهُ لَهُ.. عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَأْتَمُّوا بِهِ، وَأُمُّوا بِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِطَلَبِ أَثَرِ الْمَاضِينَ فِيهِ، وَلَوْ أَنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ لَمْ يَتَّقُوا زَوَالَ مَرَاتِبِهِمْ وَفَسَادَ مَنْزِلَتِهِمْ بِإِقَامَةِ الْكِتَابِ وَتِبْيَانِهِ مَا حَرَّفُوهُ وَلا كَتَمُوهُ “".