إن سنَّ القوانين والمعايير في هذه الحياة ضرورة وحاجة لابد منها، وها هو الوحي الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقدم لنا أفضل صورة نلحظ فيها تشريع الله سبحانه وتعالى في أرضه، وكيف اختار الإنسان ليكون خليفة في الأرض فقال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وهنا تبدأ قصة الخلق وشريعة الله التي أنزلها على عباده عن طريق الرسل والأنبياء.
وإذا ما نظرنا إلى هذا الكون الواسع، وجدنا أنه قائم على مجموعة من القوانين والأنظمة التي من خلالها يحافظ على بقائه واتساقه، وهي سنة الله تعالى في مخلوقاته، وليست القوانين والمعايير إلا وسيلة للحفاظ على سلامة هذا الإنسان وعيشه بأمان.
ولا يمكن للإنسان أن يكون خليفة بحق إلا إذا التزم بهذه القوانين، وكان شخصًا غير عادي، لأننا اليوم نعيش في زمن صعب، ولأن عصر الأشياء السهلة قد انتهى، وكل يوم تظهر لنا متطلبات جديدة لم تكن في أسلافنا، فزماننا اليوم يختلف اختلافًا كبيرًا عما كان في الماضي، ونحن نعيش عصر السرعة والتكنولوجيا، ولذلك فإن الفهم والمعرفة والتفكير أدوات أساسية في تأمين متطلبات هذا العصر الصعب الذي يُطل علينا، والذي نرى متطلباته في حياتنا مع مرور الأيام.
وأفضل سلاح نحفظ به أنفسنا أمام هذه التحديات الصعبة أن نمتلك معايير التفوق في التعليم والتعلم، لأن التعليم هو عصب الحياة، ولا تتقدم الأمم إلا به، وما رأينا أمة متخلفة إلا كان سبب تخلفها إهمالها لهذا الجانب الخطير ألا وهو التعليم والتعلم، ثم إن أول كلمة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، فكانت أكبر وأوضح رسالة للبشرية أنه لا تقدم ولا تفوق ولا نجاح إلا بالعلم والتعلم.
كانت اللغة العربية منذ القدم وإلى يومنا هذا تحمل لواء العلم والدين، وكانت لغة عالمية في العصر العباسي الذي ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وألف بها العديد من الكتب في الطب والهندسة والرياضيات وغيرها من العلوم، ومن خلالها انتقلت معظم هذه العلوم إلى أوربا، ومازالت محافظة على قواعدها وأصولها اللغوية إلى يومنا هذا، فهي لغة القرآن الكريم المتعبد بتلاوته ولغة الحديث الشريف.
وتحتوي اللغة العربية على سعة مفردات لا نراها في لغات أخرى حتى احتلت مكانة عالمية من حيث عدد الكلمات، وكان صوت الحرف العربي يتميز بنطقه وشكله، ووجازة التعبير في جمل قصيرة تؤدي المعنى بشكل مباشر كما وجدنا ذلك في آيات القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي القديم، وكانت ايضًا من أقدم اللغات الحية على وجه الأرض حيث يعود تاريخها إلى ما يزيد عن ألف وستمائة سنة على اختلاف الباحثين، وسيمر معنا بعد قليل لمحة نتحدث فيها على أهمية اللغة العربية ومكانتها.
كان هذا الكتاب بمثابة دليل مشيت به في حياتي المهنية في تعليم اللغة العربية، سواء لأبنائها أو للناطقين بغيرها، وكان خلاصة تجارب أجريتها أثناء تعليمي للغة العربية في الجامعة وما زلت أكتشف يومًا بعد يوم أشياء جديدة، فقد دونته على دفعات خلال سنوات أنقح فيه ما أراه مناسب وأضيف إليه ما تراه الحاجة والضرورة، ثم إن اختياري لعنوان "معايير للتفوق في تعليم وتعلم اللغة العربية" هو عود على بدء، فالتعليم لا يكمل ولا ينضج إلا بمعايير وقوانين واضحة، ترسم للمتعلم طريقه وتحدد له أهدافه وتكشف له بعض الأسرار سواء أكانت في نفسه أو في غيره أو فيما يحيط به من كائنات ومخلوقات.
وليس حديثي في هذا الكتاب حكرًا على التفوق في اللغة العربية فحسب، بل إن المعايير التي قدمتها تصلح لكل شيء، سواء أكان في تعلم اللغة العربية أو كان في باقي المواد الأخرى كالرياضيات والفلسفة وغيرها، وإنَّما خصصت اللغة العربية هنا لأن هذا الكتاب موجه لطلابي في الجامعة ممَّن يدرسون اللغة العربية وآدابها، أو طلاب المدارس الثانوية ممَّن يدرسون اللغة العربية، أو ممَّن يحبون اللغة العربية ولا يعرفون الطريقة الصحيحة لتعلمها أو حتى الناطقين بغيرها، ومن هنا كان هذا الكتاب هو وسيلة للطالب يتعلم منه كيف يفكر وكيف ينجح في طريقه نحو معايير التفوق والنجاح في حياته الشخصية، إضافة إلى طريقه نحو تعلم اللغة العربية، وخاصة ممَّن يتعلمها من الناطقين بغيرها.
وإذا بحثنا في كل المواد الدراسية التي يدرسها الطلاب خلال دراستهم سواء أكانت في المرحلة الثانوية أو في المرحلة الجامعة، فلن نجد كتابًا يتحدث عن هذا الموضوع المهم جدًا، فهو مهم للطالب حتى يحقق ذاته ويصل إلى أهدافه بالطرق السليمة والمدروسة، ومهم للمجتمع في تطوره ورقيه من خلال بناء جيل يسعى للتغيير والنجاح.
ويواجه العديد من متعلمي اللغة العربية صعوبات في تعلمها وخاصة الناطقين بغيرها، ولا يجدون مصادر أساسية تتحدث عن أساليب وطرق تسهل عليهم تعلم هذه اللغة، فكان هذا الكتاب هو الدليل الشامل للطالب يحمله معه أينما ذهب، يتعلم منه كيف يصبح شخصًا متفوقًا!، وكيف يفكر!، وكيف يكون متميزًا في مجتمعه ومحيطه!، وكيف يتعلم اللغة العربية بشكل صحيح من خلال معايير واضحة ترسم له طريقه أثناء رحلته الطويلة في طلب العلم والتعلم!.
ويواجه أيضًا العديد من معلمي اللغة العربية صعوبات ومشاكل في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ولا يجدون الطرق المثلى في تعليم طلابهم والأخذ بيدهم نحو النجاح والتفوق، فهم اليوم أمام كم كبير من المعلومات، في عصر تتسارع فيه عجلة الحياة وتتطور بشكل مخيف، فالذي لا يطور نفسه يصبح عالة على نفسه وعلى طلابه وعلى مؤسسته أيضًا، ومن هنا كان هذا الكتاب هو خلاصة تجارب تنير طريق المعلم وتأخذ بيده نحو الطريق الصحيح أثناء التعليم، فهو لا يقدم مادة نظرية فحسب، بل يضعنا أمام صورة حية لبعض المشاكل والحلول من خلال دراسة تطبيقية أجريتها على بعض طلابي في الجامعة وكانت لها نتائج إيجابية نتحدث عنها في مكانها.
وقد وضعت الكتاب في فصلين:
الأول: أتحدث فيه عن معايير للتفوق في تعلُّم اللغة العربية، مع مُلحق له منفصل مترجم إلى اللغة التركية والانكليزية حتى يسهل على طلابنا فهم هذه المعايير قبل بدئهم بتعلم اللغة العربية، وذكرت فيه بعض القوانين العامة والخاصة التي تهم الطالب أثناء التعلم.
والثاني: أتحدث فيه عن معايير للتفوق في تعليم اللغة العربية، وقد وضعت فيه خلاصة تجارب أمضيتها أثناء تعليمي لهذه اللغة في الجامعة، وما هي الطرق والإستراتيجيات المقترحة والمجربة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مع دراسة تطبيقية تكشف لنا خطورة العصر الذي نعيشه اليوم، وكيف نتغلب على هذه المخاطر أثناء التعليم.
والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه تعالى، وخدمة للغة القرآن الكريم. والحمد لله رب العالمين.