" تقنيات السرد وبنية الفكر العربي في الرواية العربية "

لقد اعتمدت الرواية العربية أشكالاً وأصنافاً اعتمدها الدارسون، تتمثل في الرواية الطليعية، وفي رواية التجريب التي صدّرت أشكالاً فنيّة في إطار تقنيات السـرد التي خرجت على السائد والمألوف. ولم تكن رواية التجريب منغلقة على شكل فني، بل عَرفت أشكالاً فنيّة مثل التجريب وتيار الوعي، والتجريب والتراث وتعدد الأصوات والأقنعة، وتقنيات فنيّة أخرى اعتمدها كتّاب الرواية، مثل الحكايات الشعبية والأساطير وغيرها. وقد رصَدتْ الأعمال الفنية مادة هذا الكتاب قضايا مركزية فكرية لِبُنى الفكر العربي في القرن العشـرين وحتى اليوم في إطار الفضاء الروائي بأنواعه كحيّز جغرافي، وكمنظور، أو كرؤية، أو كمكان تشغله الكتابة بوصفها حيزاً مكانياً –جسم الرواية-، ويتشكّل هذا الفضاء وفق رؤية النقاد والمثقفين وعوامل جغرافية وإنسانية وثقافية وفكرية تشكّل رؤية الأديب أو الفنان وأدواته الكلمة بمخزونها الثقافي والفكري التي ترسم لنا ماهية الشخصية وصورها ومستوياتها وبناها الثقافية والفكرية والنفسية وغيرها، وكذلك المكان ودوره في بناء الشخصية الروائية التي تتمثل في الشخصيات المرجعية والواصلة والمتكررة. وقد يتّفق بعض الكتاب في رسم ملامح الشخصيات وعوالمها ودورها في بناء النص الروائي، ولكنها تختلف في الرؤية والأداة، وبخاصة وهي تتحرك في إطار الذات والموضوع والبحث عن المصير -الموضوع- على قاعدة الالتزام في بناء النص الروائي؛ شكلاً وموضوعاً.

ولا شكّ أن تحوّلات المفاهيم والقيَم في إطار تطوّرات المجتمعات العربية شكّلت ماهية الشخصيات الروائية ومنابع رؤيتها وفلسفتها، بتعدّديتها، ورصدَت الهوية الثقافية للإنسان العربي وسط صراع الثقافات، وأقنعة الهويات المتعددة. ولا يعني هذا أن المناخ الثقافي العربي بات بالضرورة مستقلاً، أو حُرّاً إلى درجة الاستقلالية عن هويات المجتمعات الأخرى الغربية منها، أو الشرقية، وذلك لتلاقح الثقافات وتداخلها بعيداً عن الانقطاع المعرفي. وما نقرأه اليوم أو نشاهده في الأعمال الروائية العربية الفنيّة مؤشر قوي على هذا التداخل، وبخاصة الإفادة من تقنيات السرد الحديثة التي استوعبها كثير من كتّاب الرواية العربية وهم يصوغون قضايا المجتمعات العربية وهويتها الفكرية والثقافية في إطار الحداثة التكوينية، وفي إطار المثاقفة وتداخلها.