صور القدس الشريف في الرحلات المغاربية والغربية

By أ.د حفناوي بعلي , دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع

صور القدس الشريف في الرحلات المغاربية والغربية
Available for 9.99 USD

   تعد القدس الشريف بخاصة من أكثر المناطق التي تضم الكثير من الأماكن الدينية المقدسة للمسلمين . إذ تشمل أماكن دينية هامة ، ففيها المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، والمسجد الإبراهيمي في الخليل . كما تنتشر في قراها الكثير من المقامات والمزارات والأضرحة ، وقبور الأنبياء والأولياء والصالحين . وتعد القدس جزءا من العقيدة الإسلامية ، فهي الذاكرة الحية للمسلمين ، وتحتل مكانة هامة من عقيدتهم . وتؤكد هذه المكانة العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، التي تبين مكانتها الدينية وفضائلها . فالقدس مدينة الرسل والأنبياء ، وهي المكان الذي أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام إليه ، ومنها معراجه . كما أنها القبلة الأولى للمسلمين ، وفيها المسجد الأقصى ثالث الحرمين ، وهي الأرض المباركة ، وأرض المحشر والنشر .

   ويزيد من هذه المكانة الفضائل التي تحدثت عنها الأحاديث النبوية ، منها فضل زيارتها والإقامة فيها ، وفضل الإهلال بالحج والعمرة منها ، وفضل الصلاة والصيام والصدقة والآذان والدفن فيها ؛ وغيرها من الفضائل التي كتب الرحلة والتراث ، وكتب فضائل بيت المقدس . لذا انتقل إليها عدد من الصحابة للإقامة والسكن فيها ، وزارها العلماء والفقهاء والأئمة والمحدثون . ومن هنا غدت مدينة القدس محجا للعديد من الرحالة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ولا سيما مشائخ العلم والمتصوفة منهم ، الذين وفدوا إليها للتبرك ، نظرا لمكانتها الدينية ، وزيارة ما فيها من أماكن ومشاهد دينية . ولعل من أبرز هؤلاء الرحالة الذين شدوا إليها الرحلة ، رحالة الغرب الإسلامي : أندلسيين ، ومغاربة الأقصى إلى المسجد الأقصى ، ومغاربة الأوسط والأدنى .

وقدمت الأعمال الفنية واللوحات التشكيلية ، التي تناولت ( القدس ) ، صور للحياة اليومية للرحالة الغربيين والرسامين السكان في الأراضي المقدسة : حجاج متحلقون حول الصخرة المقدسة تحت القبة الصخرة ، وعابرون بثياب تقليدية شرقية في أزقة المدينة العتيقة ، ورعاة بماشيتهم حول عيون المياه ، ونساء يحملن أطفالهن يهبطن أدراج المدينة ، وقوافل تصل تخوم المدينة وأخرى تغادرها .

    كانت رحلات الغربيين إلى القدس ، أو زوار بيت المقدس ، أغزر من سواها علما وثراء بالمعلومات ، عن ما وصل إليه العالم الإسلامي ، أو بلاد الشام وفلسطين والقدس ، من حيث النمو العقلي والرقي الاجتماعي . كما أن هذه الرحلات تصور العلاقات بين المفادسة ، والزوار الغربين والمقيمين من المسيحيين . وبهذه الطريقة أحرز الرحالة الغربيين على خبرة تامة من البلدان التي يمرون بها وهم في طريقهم إلى القدس . كما أنهم اطلعوا على أحوال ودواخل المجتمع المقدسي . كان الرحالة والفرسان والزوار والحجاج إلى القدس ، في عودتهم لديارهم في الغرب ( أوروبا وأمريكا ) ، بعد تأديتهم فريضة الحج والزيارة ، ينقلون لأبناء جنسهم جميع ما اطلعوا عليه في الشرق / القدس . وهي صورة من أعظم الصور لإثارة حب الاطلاع وتوسيع النطاق العقلي في العالم المسيحي .

  القدس مدينة ذات تاريخ تليد ، يجللها طبقة فوق طبقة ، ويتجلى في مستويات آثارية ، ويمتد أكثر من عشر حقب تاريخية رئيسية . والقدس ذات تاريخ موغل في القدم ، ظلت مسرحا للمشاعر الجياشة والنزاعات المريرة . في القدس يشتغل الرحالة الغربي باستمرار لأغراض عديدة ، ونظرا لأهميتها بالنسبة لإرث الأديان الإبراهيمية السماوية الثلاثة ، فقد دثرت القدس الأساطير المحركة للنفوس والمعتقدات الدينية الراسخة ، والاشتياقات العارمة . وقد كان لهذا الإرث أبعاد تاريخية ، ومظاهر طوباوية في آن معا .  

  وثمة رؤيتان اعتمدها الرحالة ؛ سواء الغربيين أو المغاربة في عرض صورهم عن القدس : عرض أفقي للصورة ، يحاول أن يشمل بنظرة واحدة ، كافة الظواهر والأنشطة ، فيمسها مسا خفيفا بنوع من الوصف الخارجي السريع ، الذي يعطي الملامح العامة البارزة على السطح ، ولا يكاد يتوغل إلى الأعماق للبحث عن التفاصيل والجذور . بينما تقوم الرؤية الثانية على التوغل إلى الأعماق أو العمودي . في هذه الظاهرة أو تلك ، وعبر الصورة ، ومن خلال هذا النشاط أو ذاك . تم تقديم من قبل الرحالة المغاربي أو الغربي مادة غزيرة ورؤية أكثر نفاذا وتمثلا وتصويرا .

  والرؤيتان في تشكيل الصورة عن القدس ، في عمومهما ، تكمل إحداهما الأخرى ، وكلتاهما عون للدارس المقارني المعاصر ، الذي يسعى إلى استخراج صورة القدس الشريف ، من بطون هذه الرحلات والمصادر ، تتميز بالامتداد والعمق في الوقت نفسه . ومع ذلك فإن هناك الكثير من الثغرات ، تركت عبر هذه الرحلات المصادر دون سعي جاد لسدها . وهناك مساحات واسعة في هذا الجانب في تشكيل الصورة البانورما عن القدس ، تبقى تنتظر عمن يلقي عليها ضوءا .

   ومن ذلك كانت محاولتنا ، تقوم على تجاوز الوصف السطحي السهل للمدينة المقدسة ، إلى الغور في الأعماق ، ومعالجة أمر المدينة الثقافي أو الممارسة الدينية ، أو النشاط العلمي . ومن ثم رأينا متابعة الرحلات ، وهي تصف قطاعات الحياة في المدينة المقدسة ( القدس الشريف ) ، على امتداد العمران والآثار والناس ، من أجل منحها حياة أكثر تدفقا وغنى ، ومن أجل تكوين صورة عن المدينة ( القدس ) أكثر أصالة وامتدادا روحيا ، وأقدر إفصاحا شخصية المدينة ( القدس ) ، أم الحواضر في الماضي والحاضر ، والتركيز على ما هو أكثر ديمومة وخلودا وحضورا في الذاكرة .

 إن الرحالة المغاربي ، وهو يدخل القدس يجد محرابا دينيا كبيرا توالت على أرضيته نبوات السماء الكبرى ، ووقف في ساحته الكبرى المباركة أنبياء الله جمعا عليهم السلام يصلون يوم الإسراء ، وراءهم خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام . عن الرحالة المغاربي القادم من أقصى المعمورة إلى المسجد الأقصى ، يرى المواقع والرؤى والمشاهد ، ويتلمس الذكريات العزيزة التي طال شوقه إليها .

   أما الرحالة الغربي الأوروبي الأمريكي ، القادم من صقيع وبرودة المادة وحمى الاستهلاك ، ها هو يرحل ويدخل في قلب التجربة وحرارة الإيمان . وجل اهتمامه سينصب على بؤرة واحدة : تراث الأديان العريق . ومن ثم فإنه في رحلته مستعد أن يمنحنا ، ليس فقط الملامح الكلية والقسمات العامة لمعطيات هذا التراث ، بل أن يتجاوزها صوب الدقائق والتفاصيل ، فيحدثنا عن انحناءات الأحرف وتعاريج الكتابة ، وتناظر الزوايا ، وألوان الصخور . في الرحلات المغاربية والغربية ، تبرز القدس في قلب الزائر ، مدينة في القلب من العالم ، تتربع على مكان عال ، فكأنها بذلك تنادي الرحالة والزائرين ، وتفتح صدرها .

Book Details

Buy Now (9.99 USD)