1ـ تعد السمات الشخصية الذاتية لكلٍّ منَّا هي المحرك الأول والأساس في التعامل مع الواقع والحياة، وفي تلمس الطريق المؤدي إلى التحقق بالعلوم والمعارف، وهذا الكتاب هو استعراض لمنهج المعرفة ومصادرها بين شخصيتين متباينتين؛ شخصية الجاحظ المرحة التفاؤلية المنبسطة، المحبة للحياة، العاشقة للمعرفة، وشخصية التوحيدي اليائسة التشاؤمية المنقبضة، الكارهة للحياة، العاشقة لذاتها. 2ـ على الرغم من أن التوحيدي قد لُقِّب بالجاحظ الثاني أو جاحظ القرن الرابع الهجري؛ لشغفه به ونهمه بتراثه، ومحاكاته له في أسلوبه الفني والأدبي، إلا أن معالم التباين بينهما بدت واضحة تمامًا؛ إن على مستوى سماتهما الشخصية أو وجهتيهما المعرفية؛ فبينما اتسم الجاحظ بالموضوعية، فقد غلبت على التوحيدي النزعة الذاتية، ولئن تمتع الجاحظ بحضور قوي، وذات يقظة واعية ومتوثبة، فقد عانى التوحيدي من ويلات الاغتراب والقلق الوجودي، ولئن اتفقا في الهزل كسمة مشتركة بينهما، فقد اختلفا في الدافع إليه، وفي الصورة والهيئة التي وجد عليها، فكان هزل الجاحظ صورة من نفسه المحبة للحياة، المقبلة عليها، بينما كان هزل التوحيدي صورة من نفسه الساخطة على الحياة، الناقمة على من فيها. وأما من حيث المنهج أو الوجهة المعرفية، فقد جاء منهج الجاحظ موضوعيًّا، يُعنى بالواقع، وبالحالة التي تكون عليها الأشياء، بينما جاء منهج التوحيدي ذاتيًّا، يُعنى بالفكرة وبالمثال، وبالحالة التي يجب أن تكون الأشياء عليها. 3ـ يعد التلازم بين الواقع والعقل أساسًا في درك المعارف لدى كلٍّ من الجاحظ والتوحيدي، بفارق تعويل الجاحظ على الواقع كأصل والعقل كفرع، وتعويل التوحيدي على العكس؛ أي اعتماد العقل أصلًا، والواقع فرعًا، فقد آمن كلاهما بالعقل سبيلًا للمعرفة، كما آمن كلاهما كذلك بالوجود الموضوعي لعالم الأشياء؛ فجاءت المعرفة لديهما حصيلة للتفاعل بين العقل والواقع؛ أي بين الذات المدرِكة والموضوع المدرَك، وهو ما يتفق مع الطبيعة الثنائية للمعرفة في الإسلام، والتي تثبت العقل أداة للمعرفة، وتقرُّ بالوجود الخارجي لعالم الأشياء مستقل عن العقل الذي يدركها.
Book Details
- Country: US
- Published:
- Publisher: The Writer Operation
- Language: ar
- Pages: 437
- Available Formats:
- Reading Modes:
Buy Now (5 USD)